فصل: مسألة حلف ألا يصحب أخا له في سفر فيقدم قبله بيوم ثم إنه أدركه في الطريق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة قال لامرأته أنت طالق واحدة إن بت عنك فبات عنها:

ومن كتاب ابتاع غلاما بعشرين دينارا:
وسئل مالك عن رجل قال لامرأته: أنت طالق واحدة إن بت عنك فبات عنها، فطلقت منه بواحدة، ثم ارتجعها، ثم بات عنها بعد ذلك ليالي. قال: لا شيء عليه إلا الأولى.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصله في المدونة وفي غير ما مسألة من العتبية، حاشا مسألة الوتر، في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب النذور، وقد استوفينا القول على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته، والله الموفق.

.مسألة قال: إن أنفقت شيئا من مالها أو دراهم لم تعين فيها:

وسئل عن امرأة غاب عنها زوجها، فأنفقت مالا. قال: إن أنفقت شيئا من مالها أو دراهم، لم تعين فيها، فأراه لها عليه غرما يغرمه زوجها لها، رفعت ذلك إلى السلطان أو لم ترفعه، وذلك إذا أقر به، فإن لم يقر به، فمن يوم ترفعه إلى السلطان، فإن أنفقت عشرة دنانير كل سنة، فهي عليه غرم، وإن تعينت في ذلك لم يلزم زوجها ما أربت في ذلك، ينظر إلى قيمة ما أنفقت، فيكون على الزوج، وما أربت في ذلك فهو على المرأة، وأرى إذا كان على الزوج دينا كثيرا مما له، حاصت المرأة الغرماء بما أنفقت. قال ابن القاسم: من يوم ترفع ذلك إلى السلطان، وكانت هي والغرماء أسوة يتحاصون في ماله. قال سحنون في الدين المحدث: وأما الدين القديم، فإنها لا تحاص أهله إذا كان ذلك الدين قبل نفقتها؛ لأنه لم يكن موسرا حين أنفقت وعليه دين يحيط بماله، وإنما النفقة لها إذا كان موسرا، فهو إذا كان دينه يحيط بماله، فهو غير موسر، ولا نفقة لها عليه.
قال محمد بن رشد: قوله: إنها إن تعينت فيما أنفقت على نفسها في مغيب زوجها فأربت في ذلك، لم يلزم زوجها ما أربت به، معناه: إن اشترت ما تأكل أو تلبس بدين، إن لم يكن عندها نقد، فزادت من أجل ذلك في الثمن، لم يكن لها أن ترجع عليه إلا بثمن بمثل ذلك نقدا، والزائد على ذلك يكون عليها، ولا يلزم الزوج من ذلك شيء. وقوله: فإن لم يقر به فمن يوم ترفعه إلى السلطان، هو المحفوظ في المذهب. وقد مضى في رسم طلق ما في ذلك من الاختلاف. وقوله: إنه إن كان عليه دين أكثر من ماله، حاصت المرأة الغرماء بما أنفقت، معناه: من يوم ترفع ذلك، على ما قال ابن القاسم، إذ لا يجوز إقراره لها بالإنفاق من أجل الدين الذي عليه، إذ لا يجوز إقرار المديان لمن يتهم عليه.
ومعناه عندي في الدين المستحدث، على ما قال سحنون. وقد كان بعض الشيوخ يحمل قول سحنون، على أنه خلاف لقول مالك، ويقول لها على ظاهر قول مالك، محاصة الغرماء في الدين القديم؛ لأن للغريم أن ينفق على امرأته ما لم يفلس، وإن أحاط الدين بماله، وليس ذلك عندي بصحيح؛ لأن إنفاقه على امرأته، بخلاف إنفاق امرأته على نفسها ورجوعها عليه بما أنفقت إذ لا يتحقق أنه لم يخلف عندها نفقة، فلعله قد ترك عندها نفقة فجحدت ذلك ورفعت أمرها إلى السلطان، إعدادا ليكون القول قولها، فرجوعها على الزوج بالنفقة التي ادعت، إنما هو دين أوجبه الحكم لها، فيجب ألا يحاص به إلا في الدين المستحدث، كما قال سحنون. ولو كانت نفقتها على نفسها في مغيب زوجها بعد رفعها أمرها إلى السلطان، كنفقته هو عليها لوجب أن يبدأ بها على الغرماء إذ نفقتها هو عليها في حكم المبداة، وهذا بين، وبالله التوفيق لا رب غيره ولا معبود سواه.

.مسألة أعتق عبدا له صغيرا وللعبد أم هي أمة الرجل المعتق:

ومن كتاب صلى نهارا:
وسئل عن رجل أعتق عبدا له صغيرا، وللعبد أم، هي أمة الرجل المعتق، وللغلام جدة حرة، فأرادت الجدة قبضه منه. قال مالك: لا أرى أن يفرق بينه وبين أمه، إلا أن يكون ذلك مضرا به.
قال محمد بن رشد: إنما رأى ألا يفرق بينه وبين أمه، ورآها أحق بحضانته من جدته الحرة؛ لأن سيدها هو الذي ينفق عليه، من أجل أنه أعتقه صغيرا. ألا ترى أن قول مالك وغيره في المدونة وغيرها، أن من أعتق صغيرا وأمه عنده، إنه لا يبيعها إلا ممن يشترط عليه نفقته، ليكون مع أمه في نفقة سيدها، وكان القياس أن تكون الجدة الحرة أحق بحضانته من الأم، من أجل سيدها، كما أنها أحق بحضانته من الأم، من أجل زوجها إن كان لها زوج؛ لأن حكم السيد على أمته، أقوى من حكم الزوج على زوجته.
وما أدري لم أوجبوا على من أعتق صغيرا ثم باع أمه، أن يشترط نفقته على المشتري حتى يبلغ؟ وما المانع من أن يكون مع أمه عند المشتري، وتكون نفقته على البائع ورضاعه؟ اللهم إلا أن يقال: نفقته لا تلزمه، إلا أن يكون عنده، فيكون المعنى في المسألة على هذا إنه إنما أوجب عليه ألا يبيعها إلا لمن يشترط عليه نفقته من عنده، وهو عند المشتري ويلزم على قياس هذا في الذي أعتق الصغير وأمه أمة عنده، وله جدة حرة أن تكون الجدة أحق بحضانته إذا رضي المعتق أن ينفق عليه، وهو عندها ورضيت هي بالتزام نفقته، فانظر في ذلك.

.مسألة زوّجها سيدها ثم طلقها زوجها فوطئها سيدها في عدة من طلاق أو وفاة:

قال مالك: في أمة زوّجها سيدها، ثم طلقها زوجها، فوطئها سيدها في عدة من طلاق أو وفاة، قال: لا أرى لسيدها أن يطأها بعد أن تحل أبدا، مثل النكاح.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم باع غلاما من هذا السماع من كتاب النكاح فلا معنى لإعادته.

.مسألة مرض فذهب عقله، فطلق امرأته ثم أفاق فأنكر ذلك:

ومن كتاب مرض وله أم ولد:
وسئل مالك عن رجل مرض، فذهب عقله، فطلق امرأته ثم أفاق فأنكر ذلك، وزعم أنه لم يكن يعقل الذي صنع، وأنه كان لا يعلم شيئا من ذلك. قال: أرى أن يحلف ما كان يعقل، ويخلى بينه وبين أهله.
قال محمد بن رشد: وإنما يكون ذلك إذا شهد العدول أنه كان يهذي ويتخبل عقله، وأما إذا شهدوا أنه لم يستنكر منه شيء في صحة عقله، فلا يقبل قوله، ويمضي عليه الطلاق. قاله ابن القاسم في العشرة. وكذلك الحكم في السكران. روى ذلك زياد عن مالك. وقد مضى القول في حكم السكران مستوفى في أول كتاب النكاح. وهذه المسألة المتكررة في هذا الرسم من كتاب الأيمان بالطلاق، والله الموفق.

.مسألة المجنون المغلوب على عقله ضمان ما أفسده من الأموال:

قال ابن القاسم: وإن قتل أحدا كان من الخطأ، وكان على العاقلة، وما أفسد أو كسر كان بمنزلة الموسوس في ماله، وما جرح كان من الخطأ إن كان مما تحمله العاقلة فعليهم، وإن كان مما لا تحمله العاقلة فعليه.
قال محمد بن رشد: حكم ابن القاسم في هذه الرواية للمريض الذي ذهب عقله، والموسوس فيما جنا أو أفسد من الأموال، بحكم الصحيح، يفعل ذلك خطأ، فأوجب عليهما ضمان ما أفسدا من الأموال، وحمل العاقلة ما بلغ من جنايتهما الثلث فصاعدا، وهو على قياس قول مالك في رواية أشهب عنه، من كتاب الجنايات في المجنون المغلوب على عقله، إنه ضامن لما أفسد من الأموال وقد قيل: إن جميع ما أصاباه في الدماء والأموال هدر، كالبهيمة.
قاله ابن المواز في أحد قوليه في الصغير يحبو فيصيب إنسانا بجرح أو غيره، إنه لا عقل فيه، وقد قيل: إن ما أصاباه من الأموال فهو هدر، وما أصاباه من الدماء والجراح فهو في أموالهما، إلا أن يبلغ الثلث فصاعدا، فيكون على العاقلة، وهو قول ابن القاسم في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب الجنايات.
وجه القول الأول: أن جناياتهم في الأموال والدماء، لما كانت بغير قصد منهم؛ إذ لا يصح القصد منهم، أشبهت جنايات العاقل خطأ، إذ ليست بقصد منه إليها، ووجه القول الثاني: أنهم لما كانوا في هذه الحال ممن لا يصح منهم القصد، أشبهوا البهيمة التي لا يصح منها القصد، فكانت جناياتهم هدرا، ووجه القول الثالث: أنه لما كانت الأموال يضمنها العاقل بالقصد وغير القصد، من أجل أنه ممن يصح منه القصد، وجب ألا يضمنها من لا عقل له، من أجل أنه ليس ممن يصح منه القصد.
ولما كانت الدماء والجراح يفترق فيها من العاقل القصد من غير القصد، وجب أن يحكم فيها على من لا يعقل، بحكم من يعقل، إذا لم يقصد، إذ لا يصح ممن لا يعقل، وبالله التوفيق.

.مسألة طلقت المرأة فادعت حملا أنفقت على نفسها من مالها:

قال مالك: إذا طلقت المرأة فادعت حملا، أنفقت على نفسها من مالها. فإذا تبين حملها، أُعطيت ما أنفقت، فإن طاوعها فأنفق عليها طائعا، ثم تبين له أنه ليس بها حمل، لم أر عليها غرما، وإن قضى عليه السلطان بذلك رأيت أن يغرم.
قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه يرجع عليها وإن أنفق عليها بغير قضاء، وهو قول ابن الماجشون وروايته عن مالك واختيار محمد بن المواز.
وقيل: إنه لا رجوع له عليها، وإن أنفق عليها بقضاء، وهو قول مالك في كتاب النكاح لابن المواز. ولهذه المسألة نظائر كثيرة، تفوت العد. منها مسألة كتاب الشفعة من المدونة في الذي يثيب على الصداق وهو يظن أن الثواب يلزمه.
ومنها مسألة كتاب الصلح منها في الذي يصالح عن دم الخطأ، وهو يظن أن الدية تلزمه. ومنها مسألة الصداق، في سماع أصبغ من كتاب النكاح. ومنها ما في سماع أصبغ من كتاب الشهادات، وما في سماع عيسى ونوازل سحنون من كتاب الهبات والصدقات.

.مسألة المرأة الحامل إذا طلقت فطلبت الكسوة:

وقال مالك: في المرأة الحامل إذا طلقت فطلبت الكسوة، قال: ينظر في ذلك إلى ما بقي لها من الأشهر، ثم ينظر إلى قدر الكسوة، فتعطى دراهم على قدر ما بقي لها من قدر الكسوة، والكسوة عندنا الدرع والخمار والإزار، وليست الجبة عندنا كسوة.
قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة هاهنا مجملة وبيانها في رسم الصبرة من سماع يحيى. قال فيه: إنها إن طلقت في أول الحمل فطلبت الكسوة، فلها الكسوة، وإن طلبتها ولم يبق من أجل الحمل إلا الشهرين والثلاثة، أو نحو ذلك، قُوِّم لها ما كان يصير لتلك الأشهر من الكسوة لو كسيت في أول الحمل، ثم تعطاه دراهم، ولم تكس؛ لأنها إن كسيت انقضى الحمل والكسوة جديدة، وهذا إذا كانت الكسوة مما تبلى في مدة الحمل، وأما إن كانت لا تبلى في مدة، مثل الفرو والمحشو وشبه ذلك، فالوجه فيه أن ينظر إلى ما ينقصه اللباس في مدة الحمل، فيعرف ما يقع من ذلك للأشهر الباقية، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يصحب أخا له في سفر فيقدم قبله بيوم ثم إنه أدركه في الطريق:

ومن كتاب المحرم يتخذ الخرقة لفرجه:
وسئل مالك عن رجل حلف ألا يصحب أخا له في سفر، فيقدم قبله بيوم، ثم إنه أدركه في الطريق، فكان يسايره ويصحبه، غير أنه مفارق له في النفقة، قال: لا أرى أن يفعل ذلك، قيل له: إنه قد فعل، قال: إن كانت يمينه خفيفة فليكفر، وإن كانت ثقيلة فإني أخاف عليه.
قيل له: إنه حلف بتطليقة واحدة، أترى له أن يراجعها؟ قال: منذ كم حلف، قال: منذ خمس عشرة ليلة، وامرأته غائبة، قال: نعم أرى أن يجعلها تطليقة، ويُشهد على رجعتها.
قال محمد بن رشد: هو بما يقتضيه اللفظ حانث؛ لأنه حلف ألا يصحبه في سفر، وسايره فيه، والحنث يدخل بأقل الوجوه، إلا أن المعنى في يمين الحالف، ألا يصحب أخا له في سفر، ألا يصحبه صحبة الارتفاق والانتفاع، فلذلك لم يحقق عليه الحنث. وقال: أخاف عليه. ورأى إيجابه على نفسه إبراء لساحته فأمره أن يجعلها طلقة، قد حنث فيها، ويرتجع إذا كانت لم تنتقض، والله الموفق لا رب سواه.

.مسألة يطلق امرأته وهي ترضع فيريد أن ينتزع منها ولدها:

ومن كتاب سعد في الطلاق:
وقال مالك: في الذي يطلق امرأته وهي ترضع، فيريد أن ينتزع منها ولدها، ويزعم أنه يريد بذلك ألا تتأخر حيضتها، ولئلا ترثه إن مات، أو تريد هي ذلك، ولعل الولد قد عرف أمه، قال مالك: إن تبين أن قوله: أخاف أن يتأخر الحيض صدقا لا يريد بذلك ضررا، ولم يعرف الولد أمه، فلا يقبل غيرها، رأيت ذلك له، وإن رأى أنه إنما يريد الضرر، منع من ذلك وإن كان الصبي قد علق أمه، وخيف عليه في نزعه منها ألا يقبل ثدي غيرها، لم يكن ذلك له أيضا. قال مالك: والمرأة إذا أرادت أن تضع رضاع ولدها، وتحوله إلى غيرها، كهيئة ما وصفنا من أمر أبيه، لم يكن ذلك لها.
قال محمد بن رشد: أما إذا علق الولد أمه ولم يقبل ثدي غيرها، فليس للأب أن ينتزعه منها، لما ذكره، ولا للأم أن تطرحه إليه أيضا. وأما إذا لم يكن يعلق أمه، فللأم أن تطرحه إليه إن شاءت، إذ ليس يجب عليها إرضاعه إذا كان للأب مال، وهو يقبل ثدي غيرها، إلا أن تشاء، وليس للأب أن ينتزعه منها، مخافة ما ذكره، إلا أن يتبين تصديق قوله، ويعلم أنه لم يرد بذلك الضرر.
هذا تحصيل قول مالك في هذه المسألة. وقوله في الأم إذا أرادت أن تدع رضاع ولدها، وتحوله إلى غيرها، كهيئة ما وصفنا من أمر أبيه، لم يكن ذلك لها، معناه إذا لم يقبل ثدي غيرها. قال ابن المواز: وهذا في طلاق الرجعة. قال مالك: وكذلك إن قال لأني أريد أن أتزوج أختها أو عمتها أو خالتها، أو كانت رابعة، فقال: لأتزوج غيرها، فذلك له إن شاء، وكذلك إذا كان يقبل ثدي غير أمه، وكذلك إن كانت الأم هي الطالبة، فقول مالك هذا فذلك له إن شاء، معناه: إذا تبين صدق قوله، وأنه لا يريد بذلك ضررا على ما قال في مسألة الكتاب. وقوله: وكذلك إن كانت الأم هي الطالبة لطرحه، معناه: إن ذلك لها إن أرادت، كما يكون ذلك للأب، إذا علم أنه لا يريد بذلك، إلا ما ذكر، لا الضرر، إذ لا يستوي حكم الأب والأم في ذلك، إلا على الوجه الذي ذكرناه، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لامرأة تزوجها ومعها أمها إن حلت بينك وبين أمك فأمرك بيدك:

وقال مالك: في رجل قال لامرأة تزوجها ومعها أمها، إن حلت بينك وبين أمك فأمرك بيدك، فخرجت الأم، وقد كانتا في بيت واحد، فأرادت امرأته أن تأتي أمها، فمنعها من ذلك، وقال: لم أرد إلا ألا أفرق بينكما، وأنتما في بيت واحد، إن خرجت عنك أمك، فلا آذن لك إليها، وليس على هذا حلفت، قال مالك: أرى ذلك إلى نيته، ويحلف بالله ما أردت إلا ذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا على ما قال؛ لأن النية التي ادعى الزوج محتملة، فوجب أن يصدق فيها، واستظهر عليه باليمين، لما تعلق في ذلك من حق الزوجة؛ لأنها تتهمه أن يكون كاذبا فيما ادعى من نية، فهي يمين تهمة يدخلها من الخلاف ما في لحوق يمين التهمة. وبالله التوفيق.

.مسألة نفقة أم الولد يتوفى عنها سيدها وهي حامل:

قال مالك: في أم الولد يتوفى عنها سيدها وهي حامل، والحرة يتوفى عنها زوجها وهي حامل، ليس لواحدة منهما نفقة، لا من جملة المال، ولا من حصة الولد.
قال محمد بن رشد: أما الحرة يتوفى عنها زوجها وهي حامل، فلا اختلاف في المذهب في أنه لا نفقة لها، لا من جملة المال، ولا من حصة الولد، وحسبها ميراثها، وأما أم الولد يتوفى عنها سيدها وهي حامل، فالمشهور أنه لا نفقة لها، كالزوجة، وقد روي عن مالك، أن لها النفقة من جملة المال، وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز.
قال: لا سكنى لأم الولد على السيد من عتق أو موت، إلا أن تكون حاملا، فلها النفقة والسكنى، ولها المبيت في الحيضة في غير بيتها، من عتق أو وفاة. وقال أشهب: لها السكنى على الضعف من غير إيجاب، ولكن استحباب، إلا أن تكون حاملا، واختلف على القول بأنه لا نفقة لها في الأمة يموت عنها سيدها وهي حامل، فقيل: إن لها النفقة؛ لأنها لا تخرج حرة حتى تضع، مخافة أن ينفش الحمل، وهو قول ابن الماجشون، وأحد قولي مالك، وقيل: إنه لا نفقة لها لأنها حرة، بتبين الحمل، وهو المشهور، وأما أم الولد إذا أعتقها سيدها وهي حامل، فلها النفقة.
وروي ذلك عن مالك وهو قول ابن القاسم في الواضحة. وسفيان الثوري يرى للحرة إذا توفي زوجها وهي حامل النفقة من جملة المال. وروي ذلك عن عبد الله بن عمر، فبلغ ذلك قبيصة بن ذؤيب فقال: سبحان الله لو جعلت لها النفقة لجعلت من حظ ذي بطنها، وبالله التوفيق.

.مسألة مطلقة مبتوتة ادعت الحمل وطلبت النفقة:

وقال مالك: في مطلقة مبتوتة ادعت الحمل وطلبت النفقة، قال مالك: تنفق من مالها، وتحسب ذلك على زوجها، حتى يتبين حملها، فتأخذ ذلك منه، وينفق عليها فيما يستقبل، حتى تضع حملها، فإن انكشف أمرها على غير حمل غرمت له ما أنفق عليها.
قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه لا نفقة لها حتى تضع، مخافة أن ينفش الحمل، وهو أحد قولي مالك في مختصر ابن شعبان، وقد مضى القول إذا أنفق عليها ثم انفش الحمل في رسم مرض فلا معنى لإعادته.

.مسألة شهادة امرأة لم تثبت من أمر رضاعها عند الأهلين والمعارف:

وقال مالك: لا أرى شهادة المرأة الواحدة تقطع شيئا، إلا أن يكون شيئا قد فشى وعلم في صغرهما، وأما شهادة امرأة لم تثبت من أمر رضاعها عند الأهلين والمعارف، حتى يكون ذلك شيئا قد علم، فلا أرى شهادتها جائزة. قال مالك: وشهادة المرأتين لا تقطع شيئا، إلا أن يعلم ذلك ويذكر، فتجوز شهادتهما على ما وصفت.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ظاهر ما في كتاب النكاح الثاني من المدونة، من أن شهادة امرأة واحدة تجوز في الرضاع مع الفشو، خلاف ما في كتاب الرضاع، من أنه لا يجوز في ذلك إلا شهادة امرأتين مع الفشو أيضا.
وقال مطرف وابن الماجشون، وابن وهب، وابن نافع، وسحنون: تجوز شهادة المرأتين في ذلك، والمرأة والرجل، وإن لم يفش ذلك، قبل ذلك من قولهما. فشهادة امرأتين مع الفشو تجوز باتفاق، وشهادة المرأة الواحدة دون فشو، لا تجوز باتفاق، ويختلف في شهادة المرأة الواحدة مع الفشو، وفي شهادة المرأتين دون فشو، ومن يشترط الفشو في شهادتهما، لا يشترط العدالة ومن لا يشترط الفشو، يشترط العدالة، وقد مضى القول على هذا أيضا في رسم جاع فباع امرأته من سماع عيسى من كتاب النكاح، والله الموفق.

.مسألة يطلق امرأته ثم يرتجعها ويكتمها رجعتها حتى تنقضي عدتها:

وقال مالك: في الرجل يطلق امرأته ثم يرتجعها، ويكتمها رجعتها حتى تنقضي عدتها، وهو مقيم معها في البلد، ثم يريد أن يراجعها قال: ذلك له ما لم تنكح، والحاضر والغائب في هذا سواء، بمنزلة أنه أملك بها، ما لم تنكح، إلا أن الحاضر أعظم في الظلم.
قال محمد بن رشد: وهذا على ما قال؛ لأن الارتجاع إليه، وليس من شرط صحته أن يعلمها بذلك، إلا أنه يستحب له ذلك، فإذا راجعها وأشهد على رجعتها في العدة فهي زوجته، وإن انقضت عدتها قبل أن تعلم بذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة المفقود في أرض الإسلام بين الصفين:

من سماع أشهب وابن نافع عن مالك من كتاب الطلاق الثاني قال سحنون: قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن المفقود في أرض الإسلام بين الصفين، والمفقود في أرض العدو بين الصفين، كم تعتد امرأته؟ فقال: سنة، قيل له: تعتد بعد السنة أربعة أشهر وعشرا؟ قال: نعم، قيل له: ومتى يضرب لها أجل سنة؟ أمن يوم فقد، أم من يوم يضرب لها السلطان؟ قال: من يوم يضرب لها السلطان، وينظر في أمرها.
قال محمد بن رشد: قوله في المفقود في أرض الإسلام بين الصفين، يريد في الفتن التي تكون بين المسلمين، فساوى في هذه الرواية بين قتال المسلمين، وفي قتال العدو، وجعلهما جميعا في حكم المفقود، إلا في ضرب الأجل، فإن المفقود يضرب له أجل أربع سنين، ويضرب لهذين أجل سنة، ثم تعتد امرأته بعد الأجل، وتتزوج إن أحبت، ولا يقسم ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يحيى إلى مثله، وإن كان لم يتكلم في الرواية على قسم المال، فهذا هو مراده فيها. والله أعلم، بدليل قوله: إن ضرب الأجل إنما يكون من يوم يضربه السلطان، وينظر فيه، والعدة من بعد انقضاء الأجل، على حكم ضرب الأجل في المفقود والعدة، إذ لو كان المال يقسم، لما كان في ذلك ضرب أجل، إلا على سبيل التلوم، ولكانت العدة من يوم المعركة، وعلى هذا حمل أحمد بن خالد رواية أشهب هذه، وقال: إنه قول الأوزاعي، فالمفقودون على هذه الرواية ثلاثة: مفقود في بلاد المسلمين، له حكم، ومفقود في بلد الحرب، له حكم الأسير، ومفقود في الحروب، له حكم المفقود في بلاد المسلمين، إلا في ضرب الأجل، وهو قول مالك في رواية أشهب هذه، وجعل مالك في رواية ابن القاسم عنه الواقعة في رسم أسلم، من سماع عيسى، حكم المفقود في قتال العدو، وحكم الأسير، كالمفقود في بلاد الحرب، وحكم للمفقود في قتال المسلمين في الفتن التي تكون بينهم، بحكم الميت، يقسم ماله، وتتزوج امرأته بعد أن تعتد، وقيل: بعد أن يتلوم له إن كانت المعركة بعيدة من بلده. وسيأتي الكلام على هذا في رسم أسلم من سماع عيسى إن شاء الله.

.مسألة يتوفى عنها زوجها وقد امتشطت أتنقض مشطها:

وسئل عن التي يتوفى عنها زوجها وقد امتشطت أتنقض مشطها؟ فقال: لا، أرأيت إن كانت مختضبة كيف تصنع؟ لا أرى أن تنقضه، قال ابن نافع: وهو رأيي.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه ليس عليها إذا توفي عنها وهي ممتشطة، أن تنقض مشطها، معناه إذا كانت امتشطت بغير طيب، وأما لو كانت امتشطت بطيب، أو تطيبت في سائر جسدها، لوجب عليها أن تغسل الطيب، كما يجب عليها لو توفي عنها وهي لابسة ثوب زينة، أن تخلعه عنها، وكما يجب على الرجل إذا أحرم وهو متطيب، أن يغسل الطيب عنه، كما أمر عمر بن الخطاب، معاوية بن أبي سفيان، وكثير بن الصلت، وعلى ما جاء عن النبي من قوله للأعرابي الذي أحرم بعمرة وعليه قميص وبه أثر صفرة «انزع قميصك، واغسل هذه الصفرة عنك وافعل في غمرتك ما تفعل في حجتك».

.مسألة الرجعة بنية بعد الطلاق:

قال: وسمعته كتب إلى ابن فروخ وسأله عن رجل قال.
أشهدكم أني طلقت امرأتي يوما من الدهر، فقد ارتجعها، ثم طلقها بعد تطليقه، ولم يكن شأنه ارتجاعها، هل يكون ذلك له أم لا حتى يرتجعها بعد الطلاق بقول مستقبل؟ قال: هذا مثل الأول، ولا أرى ذلك ثابتا من قوله حتى يرتجعها قبل الطلاق، ولا يكون ارتجاع قبل الطلاق فيما أرى، والله أعلم.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الرجعة لا تكون إلا بنية بعد الطلاق، لقول الله عز وجل: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1]، والفرق من جهة المعنى بين الطلاق قبل النكاح، والرجعة قبل الطلاق، أن الطلاق حق على الرجل، والرجعة حق له، فالحق الذي عليه يلزمه متى ما التزمه، والحق الذي له، ليس له أن يأخذه قبل أن يجب له، ولا اختلاف في أنه ليس لأحد أن يأخذ حقا قبل أن يجب له، وإنما اختلفوا في إسقاطه قبل وجوبه، كالشفعة له أن يسقطها قبل وجوبها على اختلاف، وليس له أن يأخذها قبل وجوبها باتفاق، وبالله التوفيق.

.مسألة يكتب إلى امرأته بطلاقها:

قال: وسمعته يسأل عن الذي يكتب إلى امرأته بطلاقها، فقال: أراه من ذلك في سعة مخيرا، حتى يخرج الكتاب من يده، فإذا خرج من يده، كان عندي بمنزلة الإشهاد، ورأيت أن قد لزمه طلاقها، بمنزلة الذي يكتب كتابا بصدقة، فهو مخير فيه حتى يخرج من يده، ينظر ويستخبر، فإذا خرج من يده، كان بمنزلة ما لو أشهد عليه، ورأيت ذلك ماضيا عليه؛ لأن الذي يكتب الكتاب هكذا بشيء هو كتبه يقول: انظر واستخبر فيه، فهو يكتب، وهو يريد النظر والاستخبار، فأنا أرى هذا هكذا، إلا أن يكون حين كتب بذلك قد عزم على الطلاق والصدقة، فأرى ذلك نافذا وإن لم يخرج من يده الكتاب في الطلاق وفي الصدقة كذلك أيضا.
قال محمد بن رشد: قوله: أراه من ذلك في سعة مخيرا، معناه: إذا كتبه غير عازم على إنفاذه.
وتحصيل القول في هذه المسألة أن الرجل إذا كتب طلاق امرأته لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها أن يكون كتبه مجمعا على الطلاق، والثاني أن يكون كتبه على أن يستخبر فيه، فإن رأى أن ينفذه أنفذه، وإن رأى ألا ينفذه لم ينفذه، والثالث أن لا تكون له نية. فأما إذا كتبه مجمعا على الطلاق، أو لم تكن له نية، فقد وجب عليه الطلاق، طاهرا كانت أو حائضا، فإن كانت حائضا أجبر على رجعتها، وأما إذا كتبه على أن يستخبره ويرى رأيه في إنفاذه، فذلك له ما لم يخرج الكتاب من يده. قال في الواضحة وكتاب ابن المواز: ويحلف على نية فإن أخرج الكتاب من يده عازما على الطلاق، ولم تكن له نية، وجب عليه الطلاق بخروج الكتاب من يده، وصل إليها أو لم يصل، طاهرا كانت أو حائضا أيضا، ويجبر على رجعتها إن كانت حائضا.
واختلف إن أخرج الكتاب من يده، على أن يرده إن بدا له، فقيل: إن خروج الكتاب من يده كالإشهاد، وليس له أن يرده وهي رواية أشهب هذه. وقيل: له أن يرده إن أحب، وهو قوله في المدونة. والقولان في رسم النسمة من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، وسواء على مذهب ابن القاسم كتب إليها: أنت طالق، أو إذا طهرت من حيضتك فأنت طالق لأنه عنده أجل آت، فيتعجل عليه الطلاق، وقال أشهب: إذا كتب إليها: إذا طهرت فأنت طالق، أو إذا حضت فأنت طالق، لم يعجل عليه الطلاق حتى تطهر، وحتى تحيض.
فأما قوله: في إذا حضت إنه لا يعجل عليه الطلاق، فله وجه، إذ قد لا تحيض، فأشبه قوله: إذا قدم فلان فأنت طالق، وأما قوله: إذا طهرت فليس بين، إذ لابد أن تطهر، وإن تمادى بها الدم كانت مستحاضة، والمستحاضة في حكم الطاهر، والذي نحا إليه أنها تموت قبل أن تطهر، فيكون الطهر لم يأت، بخلاف الأجل الذي لابد من إتيانه، ماتت أو لم تمت. وإذا كتب إليها على مذهب أشهب إذا ظهرت فأنت طالق، فإن كانت حائضا لم يقم عليه طلاق حتى تطهر، وإن كانت طاهرا وقع عليها الطلاق، وقيل: لا يقع عليها إلا بالطهر الثاني.، على اختلافهم فيمن قال لأمته: إذا حملت فأنت حرة وهي حامل.
قال محمد بن المواز: وأحب إلي لمن أراد أن يطلق امرأته الغائب، أن يكتب إليها: إذا جاءك كتابي هذا، فإن كنت قد حضت بعدي وطهرت فأنت طالق، مخافة أن يقع طلاقه إياها في حال الحيض، وهذا جيد، إلا أنه قد لا يقع عليه طلاق أصلا إن كانت لم تحض بعده وطهرت؛ لأنه إنما طلقها على هذا الشرط، فإن كتب إليها: إن وصل إليك كتابي هذا فأنت طالق، فلا اختلاف في أنه لا يقع عليه الطلاق، إلا بوصول الكتاب إليها فإذا وصل إليها طلقت مكانها، وأجبر على رجعتها إن كانت حائضا، فإن كتب إليها: إذا وصل إليك كتابي هذا فأنت طالق، وأرسل إليها به، فيتخرج ذلك على قولين: أحدهما إن ذلك بمنزلة كتابه إليها: إن وصل إليك كتابي هذا.
والثاني إن الطلاق يقع عليه مكانه، على الاختلاف في القائل لامرأته: إذا بلغت معي موضع كذا وكذا فأنت طالق، حسبما وقع من ذلك في رسم سلف من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، وفي سماع عبد المالك بن الحسن منه، وبالله التوفيق.